فصل: تفسير الآيات (52- 60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه {وإذ نادى ربك موسى} قال: حين نودي من جانب الطور الأيمن.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولهم عليّ ذنب} قال: قتل النفس التي قتل فيهم وفي قوله: {وفعلت فعلتك التي فعلت} قال: قتل النفس أيضًا. وفي قوله: {فعلتها إذًا وأنا من الضالين} قال: من الجاهلين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولهم عليّ ذنب} قال: قتل النفس. وفي قوله: {ألم نربّك فينا وليدًا} قال: التقطه آل فرعون فربوه وليدًا حتى كان رجلًا {وفعلت فعلتك التي فعلت} قال: قتلت النفس التي قتلت {وأنت من الكافرين} قال: فتبرأ من ذلك نبي الله قال: {فعلتها إذًا وأنا من الضالين} قال: من الجاهلين. قال: وهي في بعض القراءة {إذن وأنا من الجاهلين} فإنما هو شيء جهله ولم يتعمده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} قال: من فرعون على موسى حين رباه. يقول: كفرت نعمتي.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {وتلك نعمة تمنها عليَّ أن عبدت بني إسرائيل} قال: قهرتهم واستعملتهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} قال: للنعمة. إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر؟ وفي قوله: {قال فعلتها إذًا وأنا من الضالين} قال: من الجاهلين.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن جريج قال في قراءة ابن مسعود {فعلتها إذن وأنا من الجاهلين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فوهب لي حكمًا} قال: النبوة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وتلك نعمة تمنها عليَّ} قال: يقول موسى لفرعون: أتمن عليَّ يا فرعون بأن اتخذت بني إسرائيل عبيدًا وكانوا أحرارًا فقهرتهم واتخذتهم عبيدًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {قال فرعون وما رب العالمين} إلى قوله: {إن كنتم تعقلون} قال: فلم يزده إلا رغمًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} يقول: مبين له خلق حية {ونزع يده} يقول: وأخرج موسى يده من جيبه {فإذا هي بيضاء} تلمع {للناظرين} ينظر إليها ويراها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: أقبل موسى بأهله فسار بهم نحو مصر حتى أتاها ليلًا، فتضيف على أمه وهو لا يعرفهم في ليلة كانوا يأكلون منها الطقشيل، فنزل في جانب الدار، فجاء هارون، فلما أبصر ضيفه سأل عنه أمه، فأخبرته أنه ضيف فدعاه فأكل معه، فلما قعدا فتحدثا فسأله هارون من أنت؟ قال: أنا موسى. فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه، فلما أن تعارفا قال له موسى: يا هارون انطلق بي إلى فرعون فإن الله قد أرسلنا إليه.
قال هارون: سمعًا وطاعة فقامت أمهما فصاحت وقالت: أنشدكما بالله أن لا تذهبا الى فرعون فيقتلكما، فأبيا فانطلقا إليه ليلًا، فأتيا الباب، فضرباه، ففزع فرعون وفزع البواب فقال فرعون: من هذا الذي يضرب ببابي هذه الساعة؟ فأشرف عليهما البواب فكلمهما فقال له موسى: {إنا رسول رب العالمين} ففزع البواب، فأتى فرعون فأخبره فقال: إن هاهنا إنسانًا مجنونًا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال: أدخله، فدخل فقال: إنه رسول رب العالمين.
{قال فرعون وما رب العالمين} قال: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50] قال: {إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} [الأعراف: 106] والثعبان الذكر من الحيات فاتحة فمها لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سورة القصر، ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه، فلما رآها ذعر منها ووثب فأحدث ولم يكن يحدث قبل ذلك وصاح: يا موسى خذها وأنا أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل. فأخذها موسى فصارت عصا فقالت السحرة في نجواهم {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهم} [طه: 63] فالتقى موسى وأمير السحرة فقال له موسى: أرأيت أن غلبتك غدًا أتؤمن بي، وتشهد أن ما جئت به حق؟ قال الساحر: لآتين غدًا بسحر لا يغلبه شيء، فوالله لئن غلبتني لأؤمنن بك، ولأشهدن أنك حق؛ وفرعون ينظر إليهما.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وقيل للناس هل أنتم مجتمعون} قال: كانوا بالاسكندرية قال: ويقال بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة يومئذ قال: وهزموا وسلم فرعون وهمت به فقال: خذها يا موسى. وكان مما بلي الناس به منه أنه كان لا يضع على الأرض شيئًا، فاحدث يومئذ تحته، وكان ارساله الحية في القبة الخضراء.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} قال: فوجدوا الله أعز منه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن بشر بن منصور قال: بلغني أنه لما تكلم ببعض هذا {وقالوا بعزة فرعون} قالت الملائكة: قصمه ورب الكعبة فقال الله تالون عليَّ قد أمهلته أربعين عامًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {لا ضير} قال: يقولون لا يضرنا الذي تقول، وإن صنعت بنا وصلبتنا {إنا إلى ربنا منقلبون} يقول: إنا إلى ربنا راجعون. وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك ايانا، وثباتنا على توحيده، والبراءة من الكفر به، وفي قوله: {أن كنا أول المؤمنين} قال: كانوا كذلك يومئذ أول من آمن بآياته حين رآها. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {فَأُلْقِيَ}:
قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: فاعلُ الإِلقاءِ ما هو لو صُرِّح به؟ قلت: هو اللهُ عزَّ وجل، ثم قال: ولك أَن لا تقدِّرَ فاعلًا؛ لأنَّ {أُلْقُوا} بمعنى خَرُّوا وسقطوا. قال الشيخ: وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنه لا يبنى الفعلُ للمفعولِ إلاَّ وله فاعلٌ ينوبُ المفعولُ به عنه. أما أنه لا يُقَدَّر له فاعلٌ فقولُ ذاهِبٌ عن الصوابِ.
قوله: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} قد تقدَّم خلافُهم فيها. وقال ابن عطية هنا: وقرأ البزي وابن فليح عن ابن كثير بشدِّ التاءِ وفتح اللام وشدِّ القاف. ويلزم على هذه القراءةِ إذا ابتدَأَ أن يحذف همزةَ الوصلِ، وهمزةُ الوصلِ لا تدخلُ على الأفعالِ المضارعةِ كما لا تدخُل على أسماءِ الفاعلين، قالا لشيخ: كأنه يُخَيِّل إليه أنه لا يمكن الابتداءُ بالكلمةِ إلاَّ باجتلابِ همزةِ الوصلِ، وهذا ليس بلازم، كثيرًا ما يكون الوصلُ مخالفًا للوقفِ، والوقفُ مخالفًا للوصل، ومَنْ له تَمَرُّنٌ في القراءات، عَرَفَ ذلك. قلت: يريد قولَه: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} فإن البزيَّ يُشَدِّد التاء، إذ الأصل: تَتَلَّقَّفُ بتاءَيْن فَأَدْغم، فإذا وَقَفَ على {هي} وابتدأ تَتَلَقَّفَ فحقُّه أَنْ يَفُكَّ ولا يُدْغِمَ؛ لئلا يُبتدأَ بساكنٍ وهو غيرُ مُمْكِنٍ، وقولُ ابن عطية: ويَلْزمُ على هذه القراءةِ. إلى آخره تضعيفٌ للقراءةِ لِما ذكره هو: مِنْ أنَّ همزةَ الوصلِ لا تَدْخُل على الفعلِ المضارعِ، ولا يمكن الابتداءُ بساكنٍ، فمِنْ ثَمَّ ضَعُفَتْ. وجوابُ الشيخ بمَنْعِ الملازَمَةِ حَسَنٌ، إلاَّ أنه كان ينبغي أن يُبْدِلَ لفظةَ الوقفِ بالابتداء؛ لأنه هو الذي وقع الكلامُ فيه، أعني الابتداءَ بكلمة {تَّلَقَّفُ}.
{إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)}.
قوله: {أَن كُنَّآ}: قرأ العامَّة بفتح {أَنْ} أي: لأَنْ كُنَّا مبدأ القول بالإِيمان. وقرأ أبان بن تغلب وأبو معاذ بكسرِ الهمزةِ. وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّها شرطيةٌ، والجوابُ محذوفٌ لفهمِ المعنى أو متقدمٌ عند مَنْ يُجِيزه. والثاني: أنها المخففةُ من الثقيلة واسْتُغْني عن اللامِ الفارقةِ لإِرشادِ المعنى: إلى الثبوت دونَ النفي، كقوله:
وإنْ مالِكٌ كانَتْ كرامَ المعادنِ

وفي الحديث: إن كانَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُحِبُّ العَسَلَ أي: ليُحبه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال في ملاك التأويل:
قوله تعالى: {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 50]، وفي سورة الزخرف: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13- 14]، للسائل أن يسأل عن تخصيص خبر إن هنا بزياد لام التأكيد وحذفها من الأولى؟
والجواب: أنه لما كان قول السحرة {لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 50]، جوابًا لفرعون لما توعدهم بقوله: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الشعراء: 49] فجاوبوه بقولهم {لا ضير}- أي لا ضرر- {إنا إلى ربنا منقلبون}، أي إذا فعلت بنا ذلك فإنا منقلبون إلى ربنا ومجازون على صبرنا، فجاوبوه معزين أنفسهم ومتناسين بما ينتظرون من الثواب وعظيم الجزاء بسبقهم إلى الإيمان وصبرهم أن فعل بهم ذلك الإمتحان، فليس موضع قسم ولا تأكيد بما هو إخبار عن رجائهم وما ينتظرونه ثوابًا على إيمانهم، فلا مدخل للام التأكيد هنا.
وأما آية الزخرف فمبينة على ما تقدمها من الإخبار عن مشركي العرب في قوله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9]، والمراد بذلك إقامة الحجة عليهم في إنكار البعث، فطابق ذلك وناسبه تأكيد قول المؤمنين المقول لهم: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13- 14]، فأكذ هذا وضمن معنى القسم، وأحرز ذلك تقديم ما النافية في قولهم: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}، فوطأت ما في هذه الجملة من معنى القسم وأشرعت به، ثم جيء بالجملة مؤكدة بحرفي التأكيد وهما إن واللام، فدخلت إن على الاسم واللام على الخبر لما تقدم منهم إنكار البعث جاوبهم المؤمنون، فكأنهم قالوا: والله إنه لحق، فسوغ دخول اللام ما قصد من هذا الغرض، وليس ذلك في آية الشعراء، فورد كل على ما يناسب، والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآيات (52- 60):

قوله تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قص سبحانه من حال الدعاء ما كفى في التسلية من قصد هذين النبيين بالأذى والتهكم بمن دعوا إليه، وجعلهما الأعليين، ولم يضرهما ضعفهما وقلتهما، ولا نفع عدوهما قوته وكثرته، شرع يسلي بما أوقعه في حال السير، فقال طاويًا ما بقي منه لأن هذا ذكّر به، عاطفًا على هذه القصة: {وأوحينا} أي بما لنا من العظمة حين أردنا فصل الأمر وإنجاز الموعود {إلى موسى أن أسر} أي سر ليلًا، حال اشتغال فرعون وجنوده بموت أبكارهم وتجهيزهم لهم {بعبادي} أي بني إسرائيل الذين كرمتهم مصاحبًا لهم إلى ناحية بحر القلزم، غير مبال بفرعون ولا منزعج منه، وتزودوا اللحم والخبز الفطير للإسراع، وألطخوا أعتابكم بالدم، لأني أوصيت الملائكة الذين يقتلون الأبكار أن لا يدخلوا بيتًا على بابه دم؛ ثم علل أمر له بالسير في الليل بقوله: {إنكم متبعون} أي لا تظن أنهم لكثرة ما رأوا من الآيات يكفون عن اتباعكم، فأسرع بالخروج لتبعدوا عنهم إلى الموضع الذي قدرت في الأزل أن يظهر فيه مجدي، والمراد توافيهم عند البحر، ولم يكتم اتباعكم عن موسى عليه السلام لعدم تأثره به لما تحقق عنده من الحفظ لما تقدم به الوعد الشريف بذلك التأكيد.
ولما كان التقدير: فأسرى بهم امتثالًا للأمر بعد نصف الليل، عطف عليه قوله: {فأرسل فرعون} أي لما أصبح وأعلم بهم {في المدائن حاشرين} أي رجالًا يجمعون الجنود بقوة وسطوة وإن كرهوا، ويقولون تقوية لقلوبهم وتحريكًا لهممهم: {إن هؤلاء} إشارة بأداة القرب تحقيرًا لهم إلى أنهم في القبضة وإن بعدوا، لما بهم من العجز، وبآل فرعون من القوة، فليسوا بحيث يخاف قوتهم ولا ممانعتهم {لشرذمة} أي طائفة وقطعة من الناس.